قال الدكتور ناصر السعيدي، الخبير الاقتصادي المعروف والمؤسس والمدير الإداري لشركة ناصر السعيدي وشركاه، إلى فكرة أن ضريبة القيمة المضافة المقرر تطبيقها خليجياً في العام 2018 لن يتجاوز تأثيرها أكثر من 3 % على مؤشر الأسعار بسبب تدني نسبتها وسط المعدلات العالمية، ولكنه يتوقع أن تقوم دول الخليج برفع نسبتها إلى 10 % بعد 4- 5 سنوات، منوهاً أيضاً إلى أن الخليج يدرس فرض ضرائب أرباح على الشركات تصل إلى 10 %.
في رأي الدكتور السعيدي، تشكل الإيجارات 30-35 % من إنفاق المستهلكين بينما يشكل النقل 10-15 %، ما يعني أن 45 % مما ينفقه المستهلكون سيكون معفى من الضريبة، ولهذا «سيكون تأثير التضخم محدوداً ولمرة واحدة فقط، وليس سنوياً، وإلى أن يتم تطبيق الضريبة ومن ثم لن يكون هناك تضخم في السنوات التالية.»
قد تتفق وقد تختلف مع رأي الدكتور السعيدي، لكن الحقيقة التي تقلق المواطنين الخليجيين والمقيمين على حد سواء، هو استغلال التجار لهذه الضرائب من أجل رفع الأسعار وتمرير نسب تلك الضرائب إلى المستهلكين. إلا أن الخبير الاقتصادي لا يرى أن هذا الأمر قد يحدث بسبب النسبة المتدنية للضريبة الجديدة، ولكنه يشدد أيضاً على أن دول الخليج عليها أن تقوم بـ3 أشياء رئيسية لتنويع دخولها بعد أن عانت من التغيير الجذري في أسعار النفط التي لا يتوقع لأسعارها أن ترتفع مرة أخرى من مستوى الـ50 دولار الحالي لسنوات قادمة.
يتعين على دول الخليج، وفق رأيه، تنويع مصادر دخولها من خلال الضرائب، وتنويع اقتصادها، والاتجاه إلى صناعات وأعمال خارج النفط وتنويع تجارتها الخارجية.
ضريبة القيمة المضافة قد ترتفع إلى 10 %
ويتوقع الدكتور السعيدي أن تقوم دول الخليج برفع نسبة القيمة المضافة إلى 10 % بعد 4-5 سنوات، على ألا ننسى أن نسبة الـ5 % التي ستبدأ بها تعتبر ضئيلة عالمياً على عكس رومانيا والبرازيل التي تصل فيها النسبة إلى 43 % يبنما تصل إلى 20 % في أغلبية الدول الأوروبية. وهنا يشجع الخبير الاقتصادي دول الخليج على خطوة تحرير الوقود والديزل بطريقة النموذج الإماراتي لأنها تشكل عبئاً على الدول الخليجية، إلى جانب رفع الدعم عن خدمات المياه والكهرباء، ما سيعيد المستهلك إلى تقييم معدلات استهلاكه وترشيدها، واستخدام تلك الموارد من قبل الدولة في التعليم والصحة والبنية التحتية. أما عن نسب العجز فلقد ارتفعت في السعودية من 3.4 % في 2014 إلى 16 % في 2015 بسبب انهيار أسعار الفط و 13 % في 2016 و توقعات بنسبة 9.5 % في 2017. أما الإمارات، فلقد وصل فيها فائض الموازنة إلى 5 % في 2014، تحول إلى عجز نسبته 2.1 % في 2015 و3.9 % في 2016 وتوقعات بـ 1.9 % في 2017. «إذا كان التحصيل على ضريبة القيمة المضافة 5 %، فهذا يعني أنه سيقدر بنسبة 1.5 % من إجمالي الناتج المحلي للسعودية، و2.1 % للإمارات و1.8 % للبحرين، وإذا احتسبنا أن نسبة العجز في السعودية ستكون 9.5 % في 2017 ونسبة تحصيل ضريبة القيمة المضافة هي 1.5 % فقط ، سيصبح عجزها 8 % ، وهذا يصعب تعويضه بسهولة» .
ضرائب على أرباح الشركات قيد الدراسة
ولكن هل تعني هذه الضرائب أن شهية دول الخليج أصبحت مفتوحة لفرض المزيد من الضرائب، وخاصة تلك التي طالما تخوفت منها الشركات مثل الأرباح أو الدخول؟ بينما لا يتصور الدكتور السعيدي أن هناك تفكيراً في تطبيق ضريبة على الدخول حالياً بدول الخليج، إلا أنه يشير إلى أن دول مجلس التعاون تقوم حالياً بدراسة فرض ضريبة على أرباح الشركات نسبتها 10 %، وتقوم قطر حالياً بتطبيقها بالفعل فيما تقوم الإمارات بفرض ضريبة نسبتها 20 % على أرباح البنوك الأجنبية. وفي رأيه، لا تشكل هذه النسبة عبئاً كبيراً على الشركات، ولن تؤدي إلى هروبها من منطقة الخليج، كما يعد هذا «نوعاً من العدالة الاجتماعية والاقتصادية خاصة أنها مملوكة من أثرياء لا يدفعون ضريبة على ثرواتهم، وهذه النسبة الصغيرة ستفرض على جميع الشركات بما فيها تلك المملوكة للحكومات».
ويضيف:«لا أعتقد أن هذا سيدفع الشركات للهروب من الخليج بل على العكس. عالمياً، هناك طلب على تبادل المعلومات بشفافية، ومن هذا المنطلق وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية لتبادل المعلومات مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD، فمثلاً أية شركة أوروبية أو أميركية في الخليج سيتوجب عليها أن تصرح لبلدها الأم بالضريبة التي تدفعها هنا، وإن لم تفعل ستتصور بلدها أنها تتهرب من الضريبة. عنما ستدفع ضريبة أرباح ستتمكن من التصريح بذلك لبلدها وتقديم التقارير الخاصة بذلك لها».
ويشدد الدكتور السعيدي على أننا يجب « ألا ننسى أن نظام الضرائب بدول الخليج أمر جديد ويتطلب إنشاء إدارات متخصصة لم تكن موجودة سابقا. وتحصيل ضرائب القيمة المضافة والمبيعات أمر سهل بينما يتعين على دول الخليج، عند الوصول إلى تطبيق ضرائب على أرباح الشركات، أن تؤسس إدارات متخصصة تدرس من خلالها تعريف هذا النوع من الضرائب وكيفية التحقق منها، وهذا يتطلب استثمارا في قدرة التحصيل وخلق كادر وظيفي متخصص».
الإمارات الأقل تضرراً
وفي رأي الدكتور السعيدي أن انهيار أسعار النفط هو أفضل ما حدث للمنطقة منذ 40 عاماً لأنه سيجبر الدول النفطية على تغيير أنماط الأعمال وسيشجعها على الشفافية والإفصاح، فهو متفاءل في هذا الصدد حيث سيبدأ الناس «بالسؤال عن الأمور التي تم إنفاق ضريبة القيمة المضافة، كما أصبحت الدول واعية لأهمية الإفصاح».
ويرى أن الاقتصاد الإماراتي كان الأقل تضرراً لأن الإمارات اتخذت خطوات نحو تنويعه مبكراً، وخلقت فرص عمل للإماراتيين وتمكين المرأة، إلى جانب إنشاء المناطق الحرة التي ساهمت بشكل كبير في التنويع الاقتصادي لأنها سمحت بتواجد رأس المال الأجنبي دون شراكة محلية، ما شجع الكثير من الشركات على القدوم إلى الدولة. ويمثل النفط 4 % فقط من إجمالي الناتج المحلي لدبي التي باتت تركز بشكل كبير على الخدمات والسياحة والصناعة والتجارة.
إلا أن التأثير الأكبر لانهيار النفط كان جلياً على المملكة العربية السعودية، أما الكويت فلقد حققت فائضاً في إجمالي ناتجها المحلي وصل إلى 28 % قبل انخفاضه إلى 1.5 %، ولكن عجز المملكة أكبر بكثير، «وإذا تسألنا عن معدلات أسعار النفط التي يجب أن تكون عليها في دول الخليج لكي تغطي مصاريفها ونسب العجز لديها، لاتضح لنا أن السعودية تحتاج أن يصل إلى 80 دولار، و90-92 دولار للبحرين، و50 -53 بالكويت، و50 -56 بالإمارات، ما يعني أنه عندما تصل أسعار النفط إلى مستوى 45-50 %، تعاني كل دول الخليج من العجز» .
ويؤكد "السعيدي" على ضرورة تغيير دول الخليج لنماذج التنمية الاقتصادية وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر بالمشاريع الإنمائية ، فمثلاً «لو قارننا بين شركتي طيران الإمارات والخطوط السعودية، لوجدنا أن الأولى مملوكة للحكومة ولكنها تدار كشركة خاصة تدر ربحاً على الحكومة فيما تعاني الثانية من خسائر متراكمة، وتدار كشركة حكومية، وهناك اتجاه لخصخصتها لأنها تشكل عبئاً على الحكومة. نموذج التنمية الاقتصادي يجب أيضاً أن يركز على خلق فرص عمل جديدة فيجب ألا ننسى أن المسألة لا تتعلق بالعجز فقط بل بفرص العمل.
Navigation
Post A Comment:
0 comments: